كتاب صغير الحجم لكنه مهم لكونه يتناول قضية ذات أهمية.. صدر في يناير عام 1965م عن دار الجماهير للطباعة والنشر .
كرس المؤلف الكاتب والأديب علي محمد عبده كتابه هذا لمعالجة الطائفية والتي هي سلاح يحاول أعداء الثورة استعماله لإثارة الفتن.
وفي مقدمة الكتاب التي كتبها المؤلف يتحدث عن المفاهيم والقيم التي كانت سائدة على النحو التالي :
آداب الشعوب، وفنونها، والمفاهيم المنتشرة بين أفرادها والقيم السائدة في أوساطها، وحركاتها السياسية والفكرية والاجتماعية، كلها أشياء مرتبطة كل الارتباط بالحياة الاقتصادية التي يحياها الشعب وبنوه المعيشة التي يحياها المواطنون.
فهذه الأشياء ترق وتخشن، تضعف وتقوى، تظل قوالب جامدة متحجرة، أو تتحول وتتطور تبعاً لرقة الحياة أو خشونتها وتبعاً لنوعية ووسائل المعيشة الموجودة في البلد.
فالقيم السائدة في المجتمع القبلي المتنقل حيث لم يتعود المرء على العمل مطلقاً، غيرها في المجتمع الزراعي المستقر، وغيرها في المجتمع الصناعي المتجدد.
والقيم السائدة في الصحراء المجدبة، غيرها في القرية المغلقة، وغيرها في المدينة المتفتحة. إذ أن طابع الحياة الاقتصادية في مجتمع ما من هذه المجتمعات هو الذي يطبع القيم والمفاهيم بطابعه.. وبمعنى آخر تكون أخلاق الناس وأفكارهم وطرق تعبيرهم وعلاقتهم بالآخرين انعكاساً لطابع الحياة الاقتصادية في مجتمعاتهم.
وكل ما كنت الحياة متأخرة ووسائلها بدائية وأولية، كانت أحوال الناس وآرائهم والقيم السائدة بينهم متجانسة ومتقاربة وكانت الروابط القبلية بينهم أشد وأقوى منها في المجتمعات التي تقدمت بها الحياة وسهلت وسائلها وتعددت ألوانها، بل إن الروابط القبلية تكون قد انتفت وتلاشت بتعدد ألوان الحياة وتشعب جوانبها وباختلاف مستويات الناس المعيشية وتفاوت مصالحهم الاقتصادية.
فالمجتمعات المتقدمة بطبيعة الحياة فيها تذوب كل العصبيات القبلية ويصبح المجتمع لا يضم نمطاً واحداً من المواطنين متساوين في معيشتهم ولم يعد الترابط بينهم على أساس قبلي أو مذهبي أو قروي حتى ولو كانوا نازحين من قبيلة واحدة، وإنما يضم فئات وجماعات لكل منها ظروفها الخاصة ومصالحها الخاصة ووضعها الخاص يصبح الترابط والتضامن بين هذه الجماعات على أساس هذه المصالح وتلك الظروف.
لذا كان لكل جماعة من الجماعات ذات الظروف والمناخات والحياة المتباينة، كان لها طابعها، وطبائعها الخاصة وأساليبها الخاصة في التعامل مع بعضها البعض ومع الآخرين، ولها مفاهيمها الخاصة وطرق تفكيرها الخاص أيضاً.
وعلى من يريد النظر إلى واقع أي مجتمع من المجتمعات أو يصدر حكمه على القيم السائدة فيه فإن عليه أن ينظر أولاً إلى التربة الاقتصادية التي ترعرعت فيها هذه القيم والمفاهيم ليتعرف على جذورها.
ومن خلال هذا المنظار سأحاول الحديث حول ما يسمى بـ(التفرقة الطائفية) وعن مشاكل بلادنا القائمة.
ولقد حاولنا جهدنا في بداية الثورة أن نزاول حقنا كمواطنين في إبداء آرائنا في شئون بلادنا وأوضاعها، وما يجري فيها فقمنا بنشر بعض الكلمات على صفحات صحف الجمهورية بتعز أبدينا فيها رأينا في أجهزة الدولة وأوضاع البلد السياسية والاقتصادية، ولكن سرعان ما أوصدت الصحف في وجوهنا ومنعنا من نشر آرائنا بحجة(أن الوقت غير مناسب لنشر مثل تلك المقالات).
قمنا بذلك لإيماننا بأن النشر والتعبير عن وجهات النظر وإبداء الآراء في شئون البلاد ومشاكلها على صفحات الصحف شيء هام وضروري لحماية مكاسب الثورة وتدعيمها ــ مخافة الانحراف بها أو استغلالها ــ لاسيما والصحافة هي أحد وسائل الرقابة الشعبية التي تمكن المواطنين من مزاولة حقوقهم في توجيه سياسة البلاد والرقابة على أجهزة الدولة.
وبعد أن حرمنا من هذا الحق ومنعنا من النشر آثرنا الصمت مدة طويلة كما صمت كثير غيرنا ممن لهم اهتمامات وطنية.
آثرنا الصمت على أن نتحدث أو ننتقد الأوضاع في الجمهورية من خارج حدودها مخافة أن يساء فهم مقصدنا وما نرمي إليه من وراء النشر، ومخافة أن يستغل ذلك أعداء الجمهورية للنيل منها.
ونتيجة لانعدام حرية النشر، أو حرية الرأي في النقد والتعبير عن وجهات النظر في بلادنا، انتشر خطر الطائفية واستفحل أمر الفوضى فيها. وأتاح للمسئولين صغارهم وكبارهم حرية التصرف وفق أهوائهم ومشيئتهم وهم مطمئنون إلا أنه لا يمكن لأحد أن يوجه إليهم نقداً أو اتهاماً ما بقيت الصحف ملتزمة جانب الصمت من قضايا البلاد ومشاكلها الأساسية.
ولكن تفاقم الموقف الآن واستفحال أمر الطائفية بشكل حاد وعنيف، وحوادث تعز الأخيرة التي كادت تتمخض عن حرب أهلية لا يعلم نتائجها أحد، رأينا ضرورة تحديد موقفنا من هذه الحوادث وضرورة المساهمة في إلقاء الأضواء على مشاكل بلادنا بغية إيجاد حلول ناجحة لها. وأنا على يقين أن أعداء الجمهورية لن يجدوا مدخلاً للإساءة إليها من خلال محاولتنا هذه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق