السبت، 12 يناير 2013

عادل مداحش عرض كتاب ( الإسلام بعيون مسيحية )

الإسلام بعيون مسيحية
نشر في صحيفة ( الثقافية ) اليمنية الأحد 07 سبتمبر-أيلول 2008
عرض - عادل مداحش




نحو تأصيل ثقافة الحوار والاعتراف بالآخر..!!
اسم الكتاب: الإسلام بعيون مسيحية
المؤلف: لطفي حداد
تقديم: محمد السماك
الناشر: الدار العربية للعلوم
بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001م التي استهدفت نيويورك وواشنطن، وضع الإسلام (كدين) في قفص الاتهام وأدين في الإعلام وفي الادبيان الغربية بالإرهاب ومعاداة الحضارة،. كما وصم زوراً وبهتاناً - أيضاَ - بعدم احترام حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة، وباللاديمقراطية وبرفض الليبرالية، واتهم فوق ذلك بأنه السبب الكامن وراء التخلف الذي يعصف بالعالم الإسلامي دولاً ومجتمعات وبسبب هذه الإحداث اتسعت الهوة الثقافية بين العالم الإسلامي والغرب، ومن ثم بين الإسلام والمسيحية، والديانتان براء من ذلك. ومن هنا كان للمثقفين دور بارز في توضيح ما أبهم عن الإسلام وأنه ليس كما يعتقد الغربيون (دين التطرف والإرهاب) ومن ضمن الدور الذي اضطلع به المثقفون الدعوة إلى الحوار بين الأديان.
وبين أيدينا كتاب ينحو في هذا المنحنى وهو كتاب غاية في الأهمية لفهم الآخر ومعرفة ما يفكر به.
الكتاب عنوانه (الإسلام بعيون مسيحية) ويقع في 286 صفحة يقول عنه مؤلفه الأستاذ لطفي حداد: إنه كتاب مهم في موضوعه الآن أكثر من أي وقت مضى، لأن كل ما تظهره وسائل الإعلام وأغلبية الكتب والمجلات والصحف يدل بشكل مباشر أو غير مباشر على الصدام المحتدم والدموي أحياناً بين العالمين المسيحي والإسلامي وليس من السهل اكتشاف جمال التعددية والتنوع في زمن الخوف من الآخر.. الخوف الذي دخل بيوتنا وعلاقتنا.
فالجار الذي بدا يربي لحيته منذ أشهر يمكن أن يكون قد انضم إلى جماعة إرهابية قد تفجر بيتي وعملي وأولادي، وكذلك قد يكون ذلك العالم المستشرق المهتم بدين آخر عميلاً لدول غربية ستحتل بلدي باسم الحرية.
احتوى الكتاب على أحد عشر باباً، قسم المؤلف الباب الأول إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول أفرده للبحث في القرآن الكريم عن الآيات التي تتكلم عن المسيحية وحرية الإيمان والانفتاح على الآخرين واحترامهم ومحبتهم.
وذكر المؤلف في هذا القسم أهم الآيات التي يجد فيها المسيحي ساحة لقاء مع المسلم، وتذكر المسلم بوجود انفتاحه على المسيحيين وتقديره لهم، اعتمد المؤلف - خصوصاً - على الأجزاء الأربعة لتفسير القرآن لابن كثير الصادرة عن دار الفيحاء - دمشق ودار السلام - الرياض طبعة أولى 1994م.
وفي القسم الثاني من هذا الباب أورد بعض الأسماء الحسنى وما يقابلها في الكتاب المقدس بعهديه القديم (اليهودي) والجديد (المسيحي)، وقد شعر المؤلف - حسب رأيه - بالإندهاش الشديد للتوافق بين الأديان الإبراهيمية التوحيدية بما يخص الله سبحانه.
أما القسم الثالث فيسلط بعض الضوء على الكتاب المقدس، والقرآن الكريم وأركان الدين الإسلامي ومذاهبه.
وفي نهاية الباب يستعرض المؤلف ملاحظات هامة منها:
تتكرر عبارة (الله يهدي من يشاء) أو ما معناها عشرات المرات.. وهذه نقطة مهمة وتعني أن العلاقة الروحية بين الله والإنسان ترتكز على الحرية والمجانية والخصوصية، أي أن الله عليم بما في قلوب الناس وهو الذي يفيض نوره وحبه والإيمان به على قلب الإنسان.. فالله نور السموات والأرض هو المعطي والمبادر والإنسان هو المتلقي والشاكر والمستقبل، وهذه العلاقة خاصة عميقة ليس لنا أن نتدخل فيها بعنف!!
تتكرر صفات (الرحمة والرأفة والصبر والعلم والحكمة والمعرفة والغفران).. عشرات المرات، وهي من أسماء الله الحسنى.. وهي تدل على الشمولية والإيجابية والاستقبال والاستمرار والدعم والفرح لعباد الله الذين تنهمر عليهم مراحمه بدون حساب وبتدقيق وللجميع!!
المشركون والكافرون: كلمات تتردد كثيراً ومن الواضح أنها تعني الأشخاص الوثنيين الذين كانوا يحيطون بالدعوة الإسلامية في شبه الجزيرة آنذاك وليس اتباع الأديان الإبراهيمية فإبراهيم النبي الذي يكرمه القرآن هو الجد الأكبر للإيمان بالله الواحد بالنسبة لليهودية والمسيحية والإسلام، ،وهو المثال الإنساني الذي يلهم اتباع الأديان الثلاثه كيفية العبادة لإله واحد.
هناك تقارب مدهش بين الإسلام والمسيحية وأننا نجد ببساطة أغلب العقائد المسيحية الأساسية في القرآن، وبالنسبة لعقيدة الثالثون المسيحية هي أعقد من أن تدرس هنا لكن يسجل المؤلف ملاحظتين هما: الأولى أنه لا يوجد أي مسيحي أو تعليم مسيحي يضع مريم ضمن الثالوث الأقدس لذلك فالدينان متفقان في هذه النقطة.
الثانية: ليس هناك أي مسيحي أو عقيدة مسيحية تؤمن بالمسيح بدون الله والدينان متفقان هنا أيضاً.
 تتكرر الدعوات العامة مرات كثيرة مثل (يا أيها الذين آمنوا) وهي دعوة شاملة للإنسانية المؤمنة بالله ولذلك ليس حصراً على من ولد من والدين مسلمين أو اعتنق الدين الإسلامي لاحقاً وإنما تشمل كل البشر (كتراث إنساني).
 الاختلاف يعطي خصوصية جميلة للأديان وليس من الضروري التشابه؛ بل إن الاختلاف نعمة وفكرة إلهيتين.
وفي الباب الثاني يعرج المؤلف إلى البحث في السفر الآخير من العهد الجديد وهو رؤيا يوحنا لأهميته في الماضي والحاضر.. ويعتبره غامضاً وأن المحافظين الجدد والكثير من الطوائف تستعمل الجمل والكلمات وتفسرها بطرق مختلفة بعضها يقود إلى التبشير المسلح أو العنف الديني أو (التنصير الإكراهي) أو وصف آخرين بالضالين والكفار!!
في الباب الثالث يتحدث المؤلف عن المسيحية والآخر حيث يبدأ بالحديث عن المسيح والآخر ثم عن الجماعة المسيحية الأولى وعصور ما قبل الإسلام وما بعد ظهور الإسلام وهنا يتحدث عن حالة العرب في العام 600م وكذا عن الإسلام والحروب الصليبية وفي البابين الرابع والخامس يدرس المؤلف مواقف إىجابية في العلاقات المسيحية الإسلامية عبر العصور مروراً بالعصر الحديث، حيث يبدأ باستعراض العلاقة أيام النبي والإسلام الأولى حيث يستذكر الهجرة إلى أرض الحبشة وما صاحبها من وقوف النجاشي في جانب المسلمين ثم يتحدث عن نصارى نجران ووقوف النبي عليه الصلاة والسلام إلى جانبهم.
بعد ذلك يتحدث عن العصر العباسي الأول ويعتبره من أعظم العصور العربية والإسلامية لانفتاحه على الثقافات المختلفة وتمهيده لساحات لقاء بين الحضارات المنتشرة في البلاد الإسلامية التي شكلت في ذلك الزمن إمبراطورية واسعة الامتداد.
بعد ذلك يتحدث المؤلف عن العصور الوسطى حيث يتحدث عن المفكرين الذين قاموا بتأليف الكتب وعن كتبهم التي تتحدث في مجملها عن الحوار والتقارب بين الأديان.
بعد ذلك أفرد المؤلف البابين السادس والسابع لنظرة المفكرين والمستشرقين الإيجابية في القرون الماضية، حيث ينوه إلى أن الباحثين العرب عليهم في أحايين كثيرة أن يعودوا إلى كتب المستشرقين لمعرفة حجم تراثهم وعدد مخطوطاتهم، وأماكن وجودها في مختلف مكتبات العالم وماحقق منها حتى الآن بشكل علمي وما لم يحقق، وهكذا يتبدى لنا أن الاستشراق الجاد يقوم بعمل علمي مفيد جداً، وبعيد عن أي مماحكة جدالية أو محاولة التهجم على العرب والإسلام.
وفي الباب الثامن تم التطرق إلى موضوع الأصولية حيث يشير إلى أنها (رفض الآخر المختلف، وإدعاء امتلاك الحقيقة الكاملة بعد ذلك يعرج إلى شرح سهل ومرن لبعض الأصوليات، منها الأصولية الشيوعية والرأسمالية وكذا الأصولية (الصهيونية المسيحية) إضافة إلى الأصولية الإسلامية ويشير المؤلف في هذا الجانب إلى جود ثمة تقارب في مختلف الأصوليات على رفض الآخر وعدم الاعتراف به ويشير إلى إمكانية التقارب بينها عبر التحاور.
وفي الباب التاسع يدرس المؤلف بسرعة وببساطة موضوع التصوف الإسلامي لاهتمام الباحثين والمفكرين المسيحيين به بشكل كثيف وعميق وكذلك لقربه من روح المسيحية، وفي الباب العاشر يذكر المؤلف بعض الأحاديث والمقولات عن فكرة الشفاعة في الإسلام والتي تشابه إلى حد كبير مفهوم شركة القديسين التي تؤمن بخلاص الجميع نتيجة رحمة الله وحبه الآخرين.
ويعرض المؤلف في الباب الأخير خمسة فصول عن هموم مشتركة كالإلحاد والنمو الديمقراطي مع صعوبة الحضور الإنساني، وصدام الحضارات أو حوارها، وموقف الغرب من الإسلام بعد هجمات الحادي عشر من أيلول.
ختاماً: يجب أن نشير إلى أن هذا الكتاب يعتبر فاتحة لعهد جديد من العلاقات الإسلامية - المسيحية الطيبة وخاتمة للصدام الإنساني على أرض تسعى لأن تكون أكثر إنسانية
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق