الاثنين، 31 ديسمبر 2012

محمد المغاوط ( حزن في ضوء القمر )

أيها الربيعُ المقبلُ من عينيها
أيها الكناري المسافرُ في ضوء القمر
خذني إليها
قصيدةَ غرامٍ أو طعنةَ خنجر
فأنا متشرّد وجريح
أحبُّ المطر وأنين الأمواج البعيده
من أعماق النوم أستيقظ
لأفكر بركبة امرأة شهيةٍ رأيتها ذات يوم
لأعاقرَ الخمرة وأقرضَ الشعر
قل لحبيبتي ليلى
ذاتِ الفم السكران والقدمين الحريريتين
أنني مريضٌ ومشتاقٌ إليها
انني ألمح آثار أقدام على قلبي .
دمشقُ يا عربةَ السبايا الورديه
وأنا راقدٌ في غرفتي
أكتبُ وأحلم وأرنو إلى الماره
من قلب السماء العاليه
أسمع وجيب لحمك العاري .
عشرون عاماً ونحن ندقُّ أبوابك الصلده
والمطر يتساقط على ثيابنا وأطفالنا
ووجوهِنا المختنقةِ بالسعال الجارح
تبدو حزينةً كالوداع صفراءَ كالسلّ
ورياحُ البراري الموحشه
تنقلُ نواحنا
إلى الأزقة وباعةِ الخبزِ والجواسيس
ونحن نعدو كالخيولِ الوحشية على صفحاتِ التاريخ
نبكي ونرتجف
وخلف أقدامنا المعقوفه
تمضي الرياحُ والسنابلُ البرتقاليه ...
وافترقنا
وفي عينيكِ الباردتين
تنوح عاصفةٌ من النجوم المهروله
أيتها العشيقةُ المتغضّنة
ذات الجسد المغطَّى بالسعال والجواهر
أنتِ لي
هذا الحنينُ لك يا حقوده !
. .
قبل الرحيل بلحظات
ضاجعتُ امرأة وكتبتُ قصيده
عن الليل والخريف والأمم المقهوره
وتحت شمس الظهيرة الصفراء
كنت أسندُ رأسي على ضلْفاتِ النوافذ
وأترك الدمعه
تبرق كالصباح كامرأة عاريه
فأنا على علاقة قديمة بالحزن والعبوديه
وقربَ الغيوم الصامتة البعيده
كانت تلوح لي مئاتُ الصدور العارية القذره
تندفع في نهر من الشوك
وسحابةٌ من العيون الزرقِ الحزينه
تحدقُ بي
بالتاريخ الرابضِ على شفتيّ .
. .
يا نظراتِ الحزن الطويله
يا بقع الدم الصغيرة أفيقي
إنني أراكِ هنا
على البيارقِ المنكَّسه
وفي ثنياتِ الثياب الحريريه
وأنا أسير كالرعد الأشقرِ في الزحام
تحت سمائك الصافيه
أمضي باكياً يا وطني
أين السفنُ المعبأةُ بالتبغ والسيوف
والجاريةُ التي فتحتْ مملكةً بعينيها النجلاوين
كامرأتين دافئتين
كليلة طويلةٍ على صدر أنثى أنت يا وطني
إنني هنا شبحٌ غريبٌ مجهول
تحت أظافري العطريه
يقبعُ مجدك الطاعن في السن
في عيون الأطفال
تسري دقاتُ قلبك الخائر
لن تلتقي عيوننا بعد الآن
لقد أنشدتُكَ ما فيه الكفايه
سأطل عليك كالقرنفلةِ الحمراء البعيده
كالسحابةِ التي لا وطن لها .
. .
وداعاً أيتها الصفحات أيها الليل
أيتها الشبابيكُ الارجوانيه
انصبوا مشنقتي عاليةً عند الغروب
عندما يكون قلبي هادئاً كالحمامه ..
جميلاً كوردةٍ زرقاء على رابيه ،
أودُّ أن أموتَ ملطخاً
وعيناي مليئتان بالدموع
لترتفعَ إلى الأعناق ولو مرة في العمر
فانني مليء بالحروفِ ، والعناوين الداميه
في طفولتي ،
كنت أحلم بجلبابٍ مخططٍ بالذهب
وجواد ينهب في الكرومَ والتلال الحجريه
أما الآن
وأنا أتسكَّعُ تحت نورِ المصابيح
انتقل كالعواهرِ من شارعٍ إلى شارع
اشتهي جريمةً واسعه
وسفينةً بيضاء ، تقلّني بين نهديها المالحين ،
إلى بلادٍِ بعيده ،
حيث في كلِّ خطوةٍ حانةٌ وشجرةٌ خضراء ،
وفتاةٌ خلاسيه ،
تسهرُ وحيدةً مع نهدها العطشان .

فاروق جويدة ( وحدي على الطريق )

(1)
و نظل نسلك في الحياة طريقنا..
نمضي على الدرب الطويل
لكي نصارع.. يأسنا
قد تمسح الأيام فيه دموعنا
أو تستبيح جراحنا
و نظل نمضي.. في الطريق
و أتيت يوما.. للطريق
كل الذي في القلب كان شجيرة..
تتظلل الآمال فيها.. و الزهور
و الحب في الأعماق يحملني بعيدا كالطيور
و العمر عندي لحظة
تتحطم الأسوار فيها.. و الجسور
تتجسد الأفكار فيها و الشعور
إن عاشها الإنسان يوما
ليس تعنيه الشهور..
(2)
و أتيت يوما للطريق
فيه القصور..
((تتشدق)) الكلمات في أرجائها
تتمزق الأزهار فيها و الطيور..
و غذاء كل القصر تأكله الصقور..
كم من صغار في الحديقة تنتهي..
و غذاؤها الكلمات أو بعض السطور
و طلائع الغربان تخترق السماء
لتصيح فوق مدينتي:
لا تتركوا شيئا على الطرقات للطير الصغير
لا ترحموا فيها الزهور..
وأرى صغار الطير
تسبح في سحابات البخور
قدرٌ أراد الله أن نحيا عبيدا للصقور...
(3)
و مضيت وحدي في الطريق
و سمعت في جيبي دبيبا.. خافتا
و أصابع تلتف تلتمس الخفاء
و نظرت خلفي في اضطراب!
طفل صغير.. لا تغطيه الثياب
لم يا بني اليوم تسرق
أين أنت.. من الحساب؟!
يوما ستلقى الله..
لم ينطق المسكين قال بلهفة:
الله..
من في الأرض يخشى الله يا أبتاه؟!
الجوع يقتلني و لا أجد الرغيف
و الدرب كالليل المخيف..
(4)
و مضيت وحدي في الطريق
إيوان كسرى خلفه غصن عتيق
صوت جهير ينفجر:
الشعب مقبرة الغزاة
و كفاحنا سيظل مفخرة الحياة
و رأيت كل الناس تهتف في الطريق
و جميعهم جاءوا.. (حفاة)
و توارد الخطباء في القصر العتيق
يتهامسون.. و يهتفون لصحوة الشعب العريق
و يرتل الخطباء ما قال(الرفيق)
هيا و ثوروا ثورة الإنسان تزأر كالحريق...
هيا نحطم قلعة الأصنام في هذا الضفاف
و ترنح الخطباء في نخب الهتاف
و تصافحوا...
و نظرت خلفي في الطريق
سيارة تجري و أخرى تنطلق..
سيارة سمراء تعوي.. تخترق
و رأيت أشباح الجميع الثائرة
وقفت بعيدا.. تنتظر
ساعاتها كسلى
و عقارب الساعات تنظر حائرة..
سيارة حمراء تمضي مثل أشلاء الرفات
لا شيء فيها غير صندوق يصيح
فلترحموا يا ساداتي القلب.. الجريح
و رفعت رأسي للسماء
ما أجمل الكلمات تسري في الفضاء..
(5)
و مضيت وحدي.. في الطريق
و شجيرة الياسمين خلف ردائها..
وقفت تطل برأسها
و أزها النوار ((تغمر)) للفراش بعينها
و تبدد الصمت الجميل..
همسات شوق في الحديقة تختفي
قبلات حب في الهواء تبخرت...
و عناق أحباب يهز مشاعري
فسفينة الأحلام مني أبحرت..
قالت له: أحلامنا
فأجاب في حزن: أراها أدبرت..
و لم الوداع و أنت عمري كله
و حصاد أيامي و همس مشاعري
و غذاء فكري و ابتهال.. محبتي
و عزاء أيامي و صفو سرائري؟
فأجابها المسكين: حبك واحتي
لكنني يا منية الأيام ضقت برحلتي
فإلى متى أحيا و فقر العمر يخنق عزتي
سأودع الأرض التي
عشت الحياة أحبها
كم كنت أحلم
أن يكون العش فيها.. و الرفيق
أن ينتهي فيها الطريق
لكنني ضيعت أيامي على أمل الانتظار
حتى توارى العمر مني
و أتيت أبحث عن قطار
يوما قضيت العمر أشرب ((قهوتي))
و أدور في الطرقات أبحث عن.. جدار
لا شيء يأوينا فكيف الحب يحيا في الدمار؟
الحب يا دنياي أن نجد الرغيف.. مع الصغار
أن نغرس الأحلام في أيدي النهار
ألا نموت بمكتب ((السمسار))
(6)
و مضيت وحدي.. في الطريق
شاب تعانق راحتاه يد القدر
يمضي كحد السيف منطلق الأمل
و تعثر المسكين في وسط الطريق
هزمته أحقاد البشر
فقد ضاق بالأحزان من طول السفر
أين البريق و أين أحلام العمر؟!
ضاعت على الطرقات في هذا الوطن
شيء من الأيام ينقصني بقايا.. من زمن
قالوا بأن الشعر أسود و السنين قليلة!
أنا عند كل الناس طفل في الحياة..
لكن ثوبَ العلم فيك مدينتي ثوب العراة
فمتى بياض الشعر يبلغ.. منتهاه؟؟
(7)
و مضيت وحدي.. في الطريق
جلست لتنزف في التراب دموعها
كم من جراح العمر
تحمل هذه الخفقات
من أنت.. قالت:
نحن الذين نجيء في صمت
و نمضي في سكون
نحن الحيارى الصامتون
نحن الخريف المر نحن المتعبون
تتربع الأحزان في أعماقنا..
تتجسد الآلام في أعمارنا..
لا شيء نعلم في الحياة
و ليس تعنينا.. الحياة
فالعمر يبدأ.. ثم يبلغ منتهاه
إني قضيت العمر في هذا المكان
ما جاءني ضيف و لا عشت الزمان
لم جئت تسأل؟
لا تسل عنا فنحن التائهون
نحن الرغيف الأسود المغبون
نحن الجائعون...!!
(8)
و مضيت وحدي.. في الطريق
قد جئت أبحث عن رفيق
ضاع مني.. من سنين..
قد ضاع في هذا الطريق
لكنني
ما زلت أبحث عنه..
ما زلت أبحث عنه..

فاروق جويدة ( وعمري .. أنت مرساه )

سكبتك في دمي حلما
حنايا القلب .. ترعاه
وراح القلب في فرح
يغني سر نجواه
ويشدوا حبنا لحنا
كطير عاد مأواه
فأصبح لا يرى شيئا
سوى عينيك .. دنياه
وأمن في دجى زمن
عنيد في خطاياه
شدونا الحب للدنيا
وفي شوق حملناه
رأينا حبنا طفلا
كضوء الصبح .. عيناه
سألتك هل ترى يوما
سنهدم ما بنيناه ؟!
فقلت: العمر إبحار
وعمري أنت مرساه
تعيش العمر في قلبي
ولو ينساك.. أنساه
حبيبي.. حبنا قدر
ومهما ضاع.. نلقاه
يوما غنيتك يا وطني..
ورجعت أصافح سجاني..
وأقبل صمت القضبان
وركعت وحيدا في صمتي
والقيد يزلزل وجداني
والليل الصاخب ينهشني..
يدفعني خلف الجدران
والخوف العاصف يصفعني
والأمل اليائس يلقاني
* * *
يوما غنيتك يا وطني
وشدوتك أجمل الحاني
وجعلت زهورك مأذنتي
وجعلت ترابك.. إيماني
في سجنك عمري أنقاض
يجمعها ثوب الإنسان...
غدوت سجينا يا وطني
وكفرت بكل الأوطان

فاروق جويدة ( عودة الأنبياء )

عطرٌ ونورٌ في الفضاء
والأرضُ تحتضنُ السماء
والشمسُ تنظرُ بارتياح للقمر
والزهرُ يهمسُ في حياءٍ للشجر
والعطرُ تنشُره الخمائلُ
فوق أهداب الطيور
والنجمُ في شوق تصافحه الزهور
ضوء يلوح من بعيد
الأرضُ صارت في ظلامِ الليلِ
لؤلؤةً يعانقها ضياء
والناسُ تُسرعُ في الطريق
صوتٌ يدندن في السماء
الآن ، عاد الأنبياء
***
هذا ضياء مُحمدٍ
ينسابُ يخترقُ المفارقَ والجسور
عيسى وموسى والنبيُ محمدٌ
عطرٌ من الرحمنِ في الدنيا يدور
هذي قلوب الناسِ تنظرُ في رجاء
أتُرى يعودُ لأرضنا زمنُ النقاء ؟
أهلاً بنور الأنبياء
***
موسى يداعبُ زهرةً
ثكلى ..فينتبه الرحيق
الزهرة الخرساءُ تهمسُ : مرحباً
يا أنبياءَ الحقِّ قد ضاع الطريق
الزهرةُ الخرساءُ تهتف في ذهول : يا أنبياءَ الله
يا من ملأتم بالضياء قلوبنَا
يا من نثرتم بالمحبةِ دربنا
بالقلب أحزانٌ وشكوى تختنق
وربيع أيامٍ يموتُ .. ويحترق
فالأرضُ كبلها الضلال
تاه الحرامُ مع الحرام مع الحلال
والخوفُ يعبثُ في النفوس بلا خجل
والفقرُ في الأعماقِ يغتالُ المنى
ماذا يفيدُ العمرُ لو ضاعَ الأمل؟
***
الأرضُ يا موسى تضجُ من الجماجمِ والسجون
أطفالنا عرفوا المشانقَ
ضاجعوا الأحزانَ
في زمن الجنون
والشمس ضلت في الشروقِ طريقَهَا
فهوت على شطِّ الغروب
وتأرجحت وسط السماء
ما بين شرقٍ جائرٍ
ما بين غربٍ فاجرٍ
الشمسُ تاهت في السماء
ما عاد فيكِ مدينتي شيءٌ ليمنحنا الضياء
فالليل يحملُ كالضلالِ سيوفه
وبحارُنا صارت دماء
من ينقذ الشطآن من هذي الدماء
في كل ليل داكنِ الأشباح تنتحرُ القلوب
في كلِّ يوم تسخرُ الأحلامُ من زمنٍ كذوب
في كل شبر
من ترابِ الأرضِ أحلامٌ تذوب
قالوا لنا يوماً
بأن الأرض كانت للبشر
موسى بربكَ هل ترى في الأرضِ
شيئاً .. كالبشر ؟
***
عيسى رسول اللهِ
يا مهد السلام
هذي قبورُ الناسِ
ضاقت بالجماجم والعظام
أحياؤنا فيها نيام
وعلى جبين اليأسِ
مات الحبُ وانتحر الوئام
الحقُ مصلوبٌ مع الأنفاسِ في دنيا الدجل
والحبُ في ليل الدراهمِ
والمخابئ والمباحثِ لم يزل
يشكو زماناً يُسحق الإنسانُ فيه بلا خجل
***
أهلاً رسول اللهِ
يا خير الهداةِ الصادقين
أنا يا محمدُ قد أتيتكَ
من دروب الحائرين
فلقد رأيتُ الأرضَ
تسكرُ من دماء الجائعين
والناسُ تحرقُ في رفاتِ العدلِ
ماتَ العدل فينا من سنين
أنا يا رسولَ الله طفلٌ حائرٌ
من يرحم الآباءَ من يحمي البنين ؟
الناسُ تأكلُ بعضَها
هذي لحومُ الناسِ نأكلها ونشرب خلفها
دمعَ الحيارى المتعبين
رفقاً رسولَ اللهِ لا تغضب فهذا حالُنا
فلقد عَصينا الله في زمنٍ حزين
ماذا تقولُ إذا سرقتُ الناس خبّرني
وطيفُ الجوع يقتل طفلتي؟
وأنا أموتُ على الطريقِ وحوله
يسري اللصوصُ وهم سكارى
من بقايا مهجتي ؟
بالله خبرني رسول اللهِ
أين بدايتي .. ونهايتي ؟
أتُرى أعيشُ العمرَ مصلوبَ المنى ؟
***
أنا يا رسول اللهِ
لم أعرف مع الدجل الرخيص حكايتي
ماذا أكونُ ؟ ومن أكونُ ؟ أمام قبر مدينتي
وأموتُ في نفسي .. أموت
وأموتُ في خوفي .. أموت
وأموت في صمتي .. أموت
أنا يا رسول الله أحيا كي أموت
قالوا بأن الموت موتٌ واحدٌ
وأمام كل دقيقة قلبي يموت
قلبي رسول الله في جنبي يموت
ماذا أقول وقد رأيتُ الأرضَ تفرحُ
بالمعاصي والذنوب؟
ماذا أقولُ وعمري الحيرانُ
يطحنه الغروب ؟
والحبُ في قلبي يذوب
آهٍ رسولَ الله من أيامنا
فلقد رأيتَ بنورِ قلبكَ حالنََا
يا منصف الأحياءِ والموتى
ويا نوراً أضاء طريقنا
لا تترك الأحزانَ ترتعُ بيننا
***
الشمسُ تصعدُ للسماء
والزهرُ يخنقه البكاء
والليل ينظرُ في دهاء
عاد الظلامُ مدينتي ما كنتِ يوماً .. للضياء
الآن يرحلُ عنكِ نور الأنبياء
النورُ يخترقُ السماء
يمضي بعيداً ، ويح قلبي ليته ما كان جاء
يوماً رأت فيه القلوبُ
بشيرَ صبحٍ عانقت فيهِ الرجاء
***
يا أنبياءَ الله
لا تتركوا الأرضَ الحزينةَ للضياع
لا تتركوا الأرض الحزينة للضياع
يا أنبياء الله
يا من تريدون الوداع
يا من تركتم للظلام مدينتي
قبل الرحيل تنبهوا
الأرض تمشي للضياع
الأرض ضاعت .. في الضياع

فاروق جويدة ( من قال أن النفط أغلى من دمي )

من قال إنّ النفط أغلى من دمي؟!
ما دام يحكمنا الجنون..
سنرى كلاب الصيد
تلتهم الأجنة في البطون
سنرى حقول القمح ألغاماً
ونور الصبح ناراً في العيون
سنرى الصغار على المشانق
في صلاة الفجر جهراً يصلبون
ونرى على رأس الزمان
عويل خنزير قبيح الوجه
يقتحم المساجد والكنائس والحصون
وحين يحكمنا الجنون
لا زهرة بيضاء تشرق
فوق أشلاء الغصون
لا فرحة في عين طفل
نام في صدر حنون
لا دين..لا إيمان..لا حق
ولا عرض مصون
وتهون أقدار الشعوب
وكل شيء قد يهون
ما دام يحكمنا الجنون
أطفال بغداد الحزينة يسألون ..
عن أيّ ذنب يقتلون
يترنحون على شظايا الجوع ..
يقتسمون خبز الموت..
ثمّ يودعون
شبح الهنود الحمر يظهر في صقيع بلادنا
ويصيح فيها الطامعون..
من كلّ جنس يزحفون
تبدو شوارعنا بلون الدم تبدو قلوب الناس أشباحاً
ويغدو الحلم طيفاً عاجزاً
بين المهانة..والظنون
هذي كلاب الصيد فوق رؤوسنا تعوي
ونحن إلى المهالك..مسرعون..
أطفال بغداد الحزينة في الشوارع يصرخون
جيش التتار..يدق أبواب المدينة كالوباء..
ويزحف الطاعون
أحفاد هولاكو على جثث الصغار يزمجرون
صراخ الناس يقتحم السكون
أنهار دم فوق أجنحة الطيور الجارحات..
مخالب سوداء تنفذ في العيون
ما زال دجلة يذكر الأيام..
والماضي البعيد يطلّ من خلف القرون
عبر الغزاة هنا كثيرا..ثم راحوا..
أين راح العابرون؟؟
هذي مدينتنا..وكم باغ أتى..
ذهب الجميع
ونحن فيها صامدون
سيموت هولاكو
ويعود أطفال العراق
أمام دجلة يرقصون
لسنا الهنود الحمر..
حتى تنصبوا فينا المشانق
في كل شبر من ثرى بغداد
نهر..أو نخيل..أو حدائق
وإذا أردتم سوف نجعلها بنادق
سنحارب الطاغوت فوق الأرض..
بين الماء..في صمت الخنادق
إنا كرهنا الموت..لكن..
في سبيل الله نشعلها حرائق
ستظلّ في كل العصور وإن كرهتم
أمة الإسلام من خير الخلائق
أطفال بغداد الحزينة..
يرفعون الآن رايات الغضب
بغداد في أيدي الجبابرة الكبار..
تضيع منّا..تغتصب
أين العروبة..والسيوف البيض..
والخيل الضواري..والمآثر..والنّسب؟
أين الشعوب وأين العرب؟
البعض منهم قد شجب..
والبعض في خزي هرب
وهنالك من خلع الثياب..
لكلّ جّواد وهب..
في ساحة الشيطان يسعى الناس أفواجا
إلى مسرى الغنائم والذهب
والناس تسال عن بقايا أمّة
تدعى العرب!
كانت تعيش من المحيط إلى الخليج
ولم يعد في الكون شيء من مآثر أهلها..
ولكل مأساة سبب
باعوا الخيول..وقايضوا الفرسان
في سوق الخطب
فليسقط التاريخ..ولتحيا الخطب!!
أطفال بغداد يصرخون..
يأتي إلينا الموت في الّلعب الصغيرة
في الحدائق ..في المطاعم..في الغبار
تتساقط الجدران فوق مواكب التاريخ..
لا يبقى منها لنا ..جدار
عار..على زمن الحضارة..أيّ عار
من خلف آلاف الحدود..
يطلّ صاروخ لقيط الوجه..
لم يعرف له أبداً مدار
ويصيح فينا: "أين أسلحة الدمار؟؟"
هل بعد موت الضحكة العذراء فينا..
سوف يأتينا النهار
الطائرات تسد عين الشمس..
والأحلام في دمنا انتحار
فبأيّ حق تهدمون بيوتنا
وبأي قانون..تدمر ألف مئذنة..
وتنفث سيل نار
تمضي بنا الأيام في بغداد
من جوع..إلى جوع....ومن ظمأ..إلى ظمأ
وجه الكون جوع..أو حصار
يا سيد البيت الكبير.. يا لعنة الزمن الحقير
في وجهك الكذاب.. تخفي ألف وجه مستعار
نحن البداية في الرواية.. ثم يرفع الستار
هذي المهازل لن تكون نهاية المشوار
هل صار تجويع الشعوب.. وسام عزّ وافتخار؟!
هل صار قتل الناس في الصلوات.. ملهاة الكبار؟!
هل صار قتل الأبرياء.. شعار مجد..وانتصار؟!
أم أن حق الناس في أيامكم.. نهب..وذلّ ..وانكسار
الموت يسكن كل شيء حولنا.. ويطارد الأطفال من دار..لدار
ما زلت تسأل: "أين أسلحة الدمار.؟"
أطفال بغداد الحزينة..في المدارس يلعبون
كرة هنا..كرة هناك..طفل هنا..طفل هناك
قلم هنا..قلم هناك..لغم هنا..موت..هلاك
بين الشظايا..زهرة الصبار تبكي
والصغار على الملاعب يسقطون
بالأمس كانوا هنا..
كالحمائم في الفضاء يحلقون
فجر أضاء الكون يوما.. لا استكان ولا غفا
يا آل بيت محمد..كم حنّ قلبي للحسين..وكم هفا
غابت شموس الحق .. والعدل اختفى
مهما وفى الشرفاء في أيامنا.. زمن "النذالة" ما وفى
مهما صفى العقلاء في أوطاننا.. بئر الخيانة ما صفى..
بغداد يا بلد الرشيد..
يا قلعة التاريخ ..والزمن المجيد
بين ارتحال الليل و الصبح المجنح
لحظتان .. موت و عيد
مابين أشلاء الشهيد يهتز
عرش الكون في صوت الوليد
ما بين ليل قد رحل.. ينساب صبح بالأمل
لا تجزعي بلد الرشيد.. لكلّ طاغية أجل
طفل صغير..ذاب عشقا في العراق
كراسة بيضاء يحضنها..وبعض الفلّ..
بعض الشعر والأوراق
حصالة فيها قروش..من بقايا العيد..
دمع جامد يخفيه في الأحداق
عن صورة الأب الذي قد غاب يوما..لم يعد..
وانساب مثل الضوء في الأعماق
يتعانق الطفل الصغير مع التراب..
يطول بينهما العناق
خيط من الدم الغزير يسيل من فمه..
يذوب الصوت في دمه المراق
تخبو الملامح..كل شيء في الوجود
يصيح في ألم : فراق
والطفل يهمس في آسى:
اشتاق يا بغداد تمرك في فمي..
من قال إن النفط أغلى من دمي
بغداد لا .. لا تتألمي..
مهما تعالت صيحة البهتان في الزمن العَمي
فهناك في الأفق يبدو سرب أحلام.. يعانق انجمي
مهما توارى الحلم عن عينيك.. قومي..واحلمي
ولتنثري في ماء دجلة أعظمي
فالصبح سوف يطلّ يوما.. في مواكب مأتمي
الله اكبر من جنون الموت .. والموت البغيض الظالمِ
بغداد..لا تستسلمي.. بغداد ..لا تستسلمي
من قال إن النفط أغلى من دمي؟!

فاروق جويدة ( شيء سيبقى بيننا )

أريحيني على صدرك
لأني متعب مثلك
دعي اسمي وعنواني وماذا كنت
سنين العمر تخنقها دروب الصمت
وجئت إليك لا أدري لماذا جئت
فخلف الباب أمطار تطاردني
شتاء قاتم الأنفاس يخنقني
وأقدام بلون الليل تسحقني
وليس لدي أحباب
ولا بيت ليؤويني من الطوفان
وجئت إليك تحملني
رياح الشك.. للإيمان
فهل أرتاح بعض الوقت في عينيك
أم أمضي مع الأحزان
وهل في الناس من يعطي
بلا ثمن.. بلا دين.. بلا ميزان؟
* * *
أريحيني على صدرك
لأني متعب مثلك
غدا نمضي كما جئنا..
وقد ننسى بريق الضوء والألوان
وقد ننسى امتهان السجن والسجان..
وقد نهفو إلى زمن بلا عنوان
وقد ننسى وقد ننسى
فلا يبقى لنا شيء لنذكره مع النسيان
ويكفي أننا يوما.. تلاقينا بلا استئذان
زمان القهر علمنا
بأن الحب سلطان بلا أوطان..
وأن ممالك العشاق أطلال
وأضرحة من الحرمان
وأن بحارنا صارت بلا شطآن..
وليس الآن يعنينا..
إذا ما طالت الأيام
أم جنحت مع الطوفان..
فيكفي أننا يوما تمردنا على الأحزان
وعشنا العمر ساعات
فلم نقبض لها ثمنا
ولم ندفع لها دينا..
ولم نحسب مشاعرنا
ككل الناس.. في الميزان

فاروق جويدة ( موتى.. بلا قبور )






كثيرون ماتوا.. بكينا عليهم
أقمنا عليهم صلاة الرحيل
وقلنا مع الناس صبرا جميلا
فهل كل صبر لدينا جميل؟
قرأنا الفواتح بين البخور
وقلنا: الحياة متاع قليل
نثرنا الفطائر فوق القبور
وفي الأفق تبكي ظلال النخيل
كثيرون ماتوا..
أهلنا عليهم تلال التراب
ولكنا لم نمت بعد لكن
لماذا يهال علينا التراب؟!
فما زلت حيا
ولكن رأسي بقايا ضريح
وما زلت أمشي
يقيد خطوي درب كسيح
وينبض قلبي
وإن كنت أحيا.. بقلب ذبيح
* * *
كثيرون ماتوا..
وما زلت انشد لحنا حزينا
أطوف به بين هذي القبور
هناك بعيدا
تغرد في الصمت بعض الطيور
حروف تعانق بعض الحروف
وتصنع سطرا
نجوم تطوف بعين السماء
وتنسج فجرا
وفي جبهة الأرض تسري دماء
وينبت في الأرض شيء غريب
عظام تقوم..
وبين الجماجم همس يدور
فما زلت أسمع همسا غريبا
وبين التراب قبور تثور
وتصحو الشواهد.. تعلو وتعلو
وتصنع تاجا..
يزين في الليل صمت القبور
وينطق شيئا..
فماذا يقول..
ماذا يقول؟!